المقالة المائة وثمانية
سبل الانتصاف في حال الاخلال بالعقد
Remedies for Breach of Contract (5)
نواصل في هذه المقالة المائة وثمانية بحث المبادئ التي تطبق على سبل التظلم والانتصاف المتوفرة للطرف البريء في العقد في حال ارتكب الطرف الآخر اخلالا (أو أكثر) ببنود العقد. ونتناول في البحث بصورة خاصة المبادئ التي تطبق على ما اصطلح على تسميته بنظرية “بعد الصلة بين الضرر والاخلال العقدي”
Remoteness of Damage
المبدأ السادس عشر يتمثل في أن مبدأ واحدا يشكل الأساس لفرعي القاعدة القانونية التي أقرت في قضية هادلي ضد باكسنديل، وهو أن التعويض يجب أن يمنح على أساس ما كان يعرفه الطرفان أو يفترض بهما معرفته، بحيث تبقى الخسارة في اطار ما توقعاه بشكل معقول عند ابرامهما للعقد. تكرس هذا المبدأ في قضية جاكسون اند انوذر ضد رويال بنك أوف سكوتلاند 2005
Jackson And Another Vs Royal Bank of Scotland 2005
تتلخص وقائع هذه القضية في أنه في عام 1990، أبرم المدعيان، وهما يمارسان الأعمال التجارية تحت اسم سانسوم (اس)، عقدا مع شركة ايكونومي باغ (أي.بي.) استوردا بموجبه مضغا للكلاب اشترياه من مورد في تايلاند (بي)، وقاما بإعادة بيعه الى أي.بي. شائت الصدفة أن يكون البنك مصرف اس. و أي.بي. وقد أدار البنك عمليات دفع ثمن البضاعة المستوردة. في شهر فبراير 1993، طلبت اس. من البنك أن يقوم بسداد ثمن البضاعة المستوردة الى بي. (المصدر المقيم في تايلاند). في شهر مارس 2003، زود البنك أي.بي. بتفاصيل صفقة حديثة العهد التي بينت مقدار المبالغ التي كانت تسددها اس. الى بي. مما كشف لأي.بي. زيادة السعر التي أضافتها عليهم اس. على أثر ذلك، قامت أي.بي. بانهاء العلاقة التعاقدية مع اس. وكانت أي.بي. العميل الرئيسي لشركة اس. مما تسبب بوقف هذه الأخيرة لأنشطتها التجارية. ادعت شركة اس. على البنك مطالبة إياه بالتعويض عن الربح الفائت عن الأعمال المستقبلية، الناشئ عن افصاح البنك بتلك المعلومات السرية. رد البنك متذرعا بأن تلك الخسارة بعيدة للغاية لأنه لم يكن بالإمكان توقع قيام أي. بي. بفسخ العقد مع شركة اس. على أثر افصاح البنك عن تلك المعلومات
اعتبر مجلس اللوردات أن خسارة عدة طلبيات متكررة لم تكن بعيدة جدا (أي أن الصلة السببية بين الخسارة والافصاح عن المعلومات السرية لم تكن بعيدة لدرجة أنه يمكن اعتبارها منقطعة) وكانت مسؤولية البنك تجاه اس. غير محددة في الزمن. عاد اللوردات وحددوا التعويض الذي أقره قاضي البداية (عن الربح الفائت) بمدة أربع سنوات على أساس تنازلي
المبدأ السابع عشر يتمثل في أن السياق والظروف المحيطة أو القاعدة (أو العرف) السائدة في القطاع المعني قد تدل على أنه من غير المعقول اعتبار أن طرفا في العقد قد وافق على تحمل المسؤولية عن الخسارة التي حصلت. تكرس هذا المبدأ في قضية ترانسفيلد شيبينغ انك. ضد ميركاتور شيبينغ انك (ذي أكيلياس) 2008
Transfield Shipping Inc. Vs Mercator Shipping Inc. (The Achilleas) 2008
تتلخص وقائع هذه القضية في أنه في سبتمبر 2003، أجرت المستأنف ضدها سفينة تملكها وتدعى ذي أكيلياس الى المستأنفة المستأجرة التي التزمت باعادتها بتاريخ 2 مايو 2004 ولم تتمكن من اعادتها الا في 11 مايو. في أبريل 2004، تضاعفت بدلات ايجار السفينة بفعل تبدلات في قطاع الشحن البحري فقامت المستأنف ضدها بتأجير السفينة الى مستأجرين آخرين ابتداء من 8 مايو 2004. لم تكن المستأجرة الأولى على علم بأن المالكة قد أبرمت عقد الايجار الثاني. في 5 مايو، أدركت المالكة أنه لن يتم إعادة السفينة في 8 مايو فقامت بتخفيض بدل ايجار السفينة على نحو كبير لصالح المستأجر الثاني لقاء موافقته على تأجيل تاريخ بدء عقد الايجار. ادعت المالكة أنه يحق لها مطالبة المستأجر الأول بتعويض يقدر على أساس خسارة قدرها 8000 دولار أميركي في اليوم الواحد (أي ما مجموعه 1،37 مليون دولار أميركي تقريبا) التي لحقت بها خلال فترة المائة وواحد وتسعون يوما الذي استغرقها الايجار الثاني بسبب بدلات الايجار المخفضة. ادعت المستأجرة أنه لا يحق للمالكة سوى المطالة بتعويض قدره (0،16 مليون دولار أميركي) الذي يمثل الفارق بين بدل الايجار المعمول به في قطاع الشحن البحري وبدل الايجار عن أيام التأخير التسعة وأنه لا يحق لها المطالبة بالربح الفائت عن الايجار اللاحق اذ لم يتم اعلام المستأجرة صراحة بابرام العقد الثاني
اعتبر مجلس اللوردات أن المستأجرة غير مسؤولة عن الربح الفائت عن عقد الايجار اللاحق اذ أن الربح الفائت كان نتيجة أوضاع السوق المتقلبة التي هي بمثابة ظروف استثنائية لم يكن بوسع الطرفين توقعها. واعتبر المجلس أن المستأجرة مسؤولة عن سداد الفارق بين بدل الايجار المتفق عليه وأي بدل أعلى (معمول به في قطاع الشحن البحري) خلال فترة التأخير في التسليم (تسعة أيام)
-اعتمد ثلاث لوردات (هوفمان، هوب ووولكر) “مقاربة جديدة أوسع” لمفهوم بعد الصلة السببية بين الضرر والاخلال العقدي، أساسها “قرينة المسؤولية”
-أقر اللورد هوفمان أن المقاربة المستقيمة (أي التقليدية) سيبقى معمولا بها في غالبية القضايا
-اعتمد اللورد رودجرز المقاربة المستقيمة واعتبر أن الربح الفائت عن فترة التأخير (تسعة أيام) لم يكن بالإمكان توقعه في السياق الطبيعي للأمور
-شددت البارونة هيل على الفوارق بين المقاربة المستقيمة المعتمدة في قضية هادلي ضد باكسينديل وقضية ذي هيرون والمقاربة الأوسع التي اعتمدها اثنان من اللوردات
صرح اللورد وولكر أنه يوافق على الأسباب التي أدلى بها اللورد رودجرز-
في قضية جون غرايمز بارتنرشيب ليمتد ضد غوبينز (2013)-
John Grimes Partnership Ltd.Vs Gubbins (2013)
اعتبر السير دايفيد كين أن اللورد هوفمان لم يكن يسعى في قضية ذي أكيلياس الى الابتعاد عن مفهوم “الضرر الممكن توقعه بصورة معقولة” في اطار اختبار بعد الصلة بين الضرر والاخلال العقدي، بل أراد أن يشدد على أن ما يمكن توقعه بصورة معقولة قد لا يكون في بعض الحالات الاختبار الذي يفرض ذاته في ظل ظروف خاصة تدل على أن الطرفين لم يكونا ليقدما على ابرام العقد على أساس أن على المدعى عليه أن يتحمل نوع معين من الخسائر
المحامي والمستشار القانوني سيريل نفاع